فصل: هـ- من روائع القسم في القرآن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن



.الفصل الرّابع القسم في القرآن:

.أ- تعريفه:

القسم في اللغة: اليمين بالله تعالى، ومن معاني اليمين القوة.
ويعرّف القسم أو اليمين بأنه: ربط النفس- بالامتناع عن شيء أو الإقدام عليه- بمعنى معظم عند الحالف حقيقة أو اعتقادا. وسمي الحلف يمينا لأن العرب كان أحدهم يأخذ بيمين صاحبه عند التحالف.

.ب- صيغته:

الصيغة الأصلية للقسم أن يؤتى بالفعل (أقسم) أو (أحلف) متعديا بالباء إلى المقسم به. ثم يأتي المقسم عليه، وهو المسمى بجواب القسم، كقوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل: 38] فأجزاء صيغة القسم ثلاثة:
1- الفعل الذي يتعدى بالباء.
2- والمقسم به.
3- والمقسم عليه.
ولما كان القسم يكثر في الكلام اختصر فصار فعل القسم يحذف ويكتفى بالباء، ثم عوض عن الباء بالواو في الأسماء الظاهرة، كقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى} [الليل: 1]، وبالتاء في لفظ الجلالة، كقوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ} [الأنبياء: 57] وهذا قليل، أما الواو فكثيرة.

.ج- أغراض القسم في القرآن:

1- تحقيق الخبر وتوكيده، ليكون أوقع في التلقي وأرجى للقبول، كقوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس: 53]. وقوله تعالى: {فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92].
2- بيان شرف المقسم به، وعلو قدره، حتى يعرف الناس مكانته عند الله ورفعة منزلته لديه، كالقسم بحياة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]. وكقوله تعالى مبينا شرف القرآن وقدره: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1].
3- توجيه النظر إلى الآيات الكونية، والمشاهد الطبيعية، للتوصل منها إلى خالقها، والتأمل فيها تأملا يبين مبلغ نعمتها، وأنها غير جديرة بالعبادة، وإنما الجدير بالعبادة هو خالقها، وذلك كالقسم بالسماء وبنائها، وبالنفس وخلقها، في قوله تعالى: {وَالسَّماءِ وَما بَناها} [الشمس: 5] {وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها} [الشمس: 7] وقال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذا هَوى} [النجم: 1] منبها بقوله: {هوى}- أي غاب وسقط- إلى أنه لا يجوز أن يعبد، لأنه مخلوق وعرضة للغيبة والزوال.
ونقل السيوطي في كتابه (الإتقان) عن أبي القاسم القشيري أنه قال: القسم بالشيء لا يخرج عن وجهين: إما لفضيلة، أو لمنفعة. فالفضيلة، كقوله تعالى: {وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين: 2- 3] والمنفعة كقوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1].

.د- المقسم به في القرآن:

1- أقسم الله تعالى بنفسه في القرآن في خمسة مواضع:
في قوله: {فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ} [مريم: 68] وقوله: {فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] وقوله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ} [المعارج: 40]. {فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: 23].
وأمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يقسم به في ثلاثة مواضع:
في قوله: {قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] وقوله: {قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3] وقوله: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 35].
2- وأقسم تعالى فيما بقي من القرآن بمخلوقاته، كقوله: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} {وَالصَّافَّاتِ} {وَالشَّمْسِ} {وَاللَّيْلِ} {وَالضُّحى}.
فإن قيل: كيف أقسم الله بالخلق، وقد ورد النهي عن القسم بغير الله؟
أجيب بأوجه:
أ- أنه على حذف مضاف، أي ورب التين، ورب الشمس...
ب- إن العرب كانت تعظم هذه الأشياء وتقسم بها فنزل القرآن على ما يعرفون.
ج- إن الأقسام إنما تكون بما يعظم المقسم أو يجلّه وهو فوقه، والله تعالى ليس شيء فوقه، فأقسم تارة بنفسه وتارة بمصنوعاته لأنها تدل على بارئ وصانع.
وقد نقل السيوطي عن ابن أبي الإصبع أنه قال: القسم بالمصنوعات يستلزم القسم بالصانع، لأن ذكر المفعول يستلزم ذكر الفاعل، إذ يستحيل وجود مفعول بغير فاعل.
أما حلف العباد بغير الله فهو ضرب من الشرك، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت».
وعن الحسن قال: إن الله يقسم بما شاء من خلقه، وليس لأحد أن يقسم إلا بالله.

.هـ- من روائع القسم في القرآن:

1- من روائع القسم في القرآن الكريم: أن جاء فاتحة للسور المكية في ست عشرة سورة، نحو: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}، {وَالذَّارِياتِ ذَرْواً}، {وَالطُّورِ}، {وَالنَّجْمِ إِذا هَوى}، {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً}، {وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً}، {وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ}، {وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ}، {وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ}، {لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ}، {وَالشَّمْسِ وَضُحاها}، {وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى}، {وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى}، {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}، {وَالْعادِياتِ ضَبْحاً}، {وَالْعَصْرِ}...إلخ. وإن وقوع القسم في ابتداء السور له أثره النفسي، وفي البدء به جذب لانتباه السامع، لوقوع القسم على سمعه في شيء من الرهبة، فإذا حدث ذلك صحبه تهيؤ نفسي لتلقي ما يقال، خاصة والقسم في أوائل السور يعطيها نضرة في بهجتها، ورونقا في ديباجتها، فتلمع الأقسام في قسمات السور كالغرة البارقة، لاسيما وقد أتت بما يألفه العرب ويحبّونه ويمجّدونه، ألا ترى أن القرآن أقسم بالبلد الأمين، وهي محبوبتهم مكة؟! 2- ومن روائع القسم: القسم بالخيل في قوله تعالى: {وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (1) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (2) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} [العاديات: 1-5].
والخيل أعز شيء عند العرب، لأنهم أمة قتال ونضال، فحياتهم قائمة عليها، وقد أكثروا في شعرهم من أوصافها، فأقسم الله بها وهي مغيرة صبحا، والشرر يتطاير من حوافرها، ووصف الغبار الذي تثيره بعدوها وهجومها على عدوّهم، حتى تتوسط بين جموعه، وتوصل فرسانها إلى ربوعه.
3- ومن لطائف القسم قوله تعالى: {وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى} [الضحى: 1- 4].
أقسم تعالى على إنعامه على رسوله وإكرامه له، وذلك متضمن لتصديقه له، فهو قسم على صحة نبوته وعلى جزائه في الآخرة، وأقسم بآيتين عظيمتين من آياته، وتأمل مطابقة هذا القسم- وهو نور الضحى الذي يوافي بعد ظلام الليل- المقسم عليه، وهو الوحي الذي واتاه بعد احتباسه عنه حتى قال أعداؤه: ودع محمدا ربه، فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه.

.الباب التاسع التفسير:

الفصل الأول: حقيقة التفسير، ونشأته، وتطوره.
الفصل الثاني: أشهر المفسرين من الصحابة والتابعين.
الفصل الثالث: أقسام التفسير.
الفصل الرابع: التعريف بأشهر التفاسير والمفسرين.

.الفصل الأول حقيقة التفسير ونشأته وتطوره:

.أ- حقيقته:

التفسير لغة: الإيضاح والتبيين، مأخوذ من الفسر وهو الإبانة، تقول: فسّرت الحديث أي بينته وأوضحته، ومنه قوله تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان: 33] أي أفضل بيانا وإيضاحا.
واصطلاحا: علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية. وقيل: علم يبحث فيه عن أحوال الكتاب العزيز من جهة نزوله وسنده وأدائه وألفاظه ومعانيه المتعلقة بالألفاظ والمتعلقة بالأحكام.
وقيل: علم يفهم به كتاب الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم، وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه.

.ب- نشأته وتطوره:

1- نشأ هذا العلم مع نزول القرآن الكريم، فلقد كان القرآن الكريم ينزل فتكون منه آيات مفصلة، أو كلمات مجملة تفسرها كلمات مفسّرة، قال الله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1] ثم قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3]. وقال الله تعالى: {الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ ثم قال: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة: 1- 4].
وبيان القرآن الكريم بعضه بعضا هو أولى طرق التفسير، ونماذجه كثيرة في كتاب الله تعالى.
2- كان القرآن الكريم ينزل وفيه إجمال أحيانا فيفسره النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بما أوحي إليه من البيان. قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ} [النساء: 77] لقد تكرر ذكر الصلاة في القرآن الكريم أكثر من سبعين مرة، ومع ذلك التكرار لا يكتمل عدد الصلوات المفروضة وركعاتها فضلا عن كيفية أدائها، فجاء بيان الرسول صلّى الله عليه وسلّم موضحا عدد الصلوات المفروضة وركعاتها وكيفية أدائها، فقد صلّى أمام الصحابة يوما ثم قال لهم: «صلوا كما رأيتموني أصلي». وقال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] الآية عامة في كل أب له أولاد يموت فيترك لهم مالا، فإن الأولاد يقتسمون إرثهم من أبيهم للذكر مثل نصيب أختيه. وجاءت السّنة تخصص من عموم هذه الآية الأنبياء؛ فلا يحق لهم جمع المال وإخلافه أهليهم، خشية التهمة في دعواتهم أنها لجمع حطام الدنيا معاذ الله، وبيانا لكونهم ربّانيين، حياتهم لله تعالى.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة».
وقد بيّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كل ما احتاج أصحابه إلى بيانه من القرآن الكريم، سوى ما استأثر الله تعالى بعلمه. وقد نزل القرآن بلغتهم، فما كانوا يحتاجون إلى كثير بيان عند كل آية وسورة، اللهم إلا ما يكون فيها من الأحكام.
وبيان السنة الشريفة للقرآن الكريم هو ثاني طرق التفسير، ونماذجه كثيرة في كتاب الله تعالى.
3- وحين دخل الناس في دين الله أفواجا آخر حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبعدها، وفي هؤلاء الداخلين عرب وعجم، علماء ببيان العرب وغير علماء به، وحاجتهم ظاهرة إلى معرفة أحكام القرآن الكريم ومعانيه، وحكمه ومراميه، وألفاظه وجمله، قام بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفسّرون من القرآن الكريم ما يحتاج إليه المسلم: بالقرآن الكريم، ثم بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم ببيان أسباب نزول الآيات والسور، وبما بلغهم، وإذا احتاج الأمر فسّروه بما يوفقهم الله تعالى إليه من اجتهاد وفهم، وما يعرفونه من بيان العرب.
أخرج غير واحد عن أبي عمران قال: كنا بالقسطنطينية فخرج صف عظيم من الروم، فحمل رجل من المسلمين حتى دخل فيهم، فقال الناس: ألقى بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: أيها الناس، إنكم تؤولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما نزلت فينا معاشر الأنصار، إنا لما أعز الله تعالى دينه، وكثر ناصروه، وقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها؟
فأنزل الله تعالى على نبيه صلّى الله عليه وسلّم ما يردّ علينا ما قلنا: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].
استعمل عمر رضي الله تعالى عنه قدامة بن مظعون على البحرين، فقدم الجارود على عمر فقال: إن قدامة شرب فسكر، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: من يشهد على ما تقول؟ قال الجارود: أبو هريرة يشهد على ما أقول. فقال عمر: يا قدامة، إني جالدك، قال: والله لو شربت- كما يقول- ما كان لك أن تجلدني، قال عمر: ولم؟ قال: لأن الله تعالى يقول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} [المائدة: 93]. فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد. فقال عمر: ألا تردون عليه قوله؟ فقال ابن عباس: إن هذه الآيات أنزلت عذرا للماضين، وحجة على الباقين، لأن الله تعالى يقول: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ} [المائدة: 90]. قال عمر: صدقت.
وبيان أقوال الصحابة رضوان الله عليهم، وفهومهم للقرآن الكريم، هو ثالث طرق تفسير القرآن الكريم، ونماذجه كثيرة في تفسير كتاب الله تعالى.
4- وجاء بعد أيام الصحابة التابعون رضوان الله عليهم جميعا، وقد تشعّبت ديار المسلمين وبعدت أوطانهم، وفيهم العرب والعجم، وأخذ اللحن يغزو خلسة وجهرة لغة العرب وبيانهم، وحاجة المسلمين في هذا العهد أشد من حاجة الصحابة إلى معرفة أحكام القرآن الكريم وحكمه، ومراميه وأغراضه، وألفاظه وجمله، فقام بعض التابعين يفسرون من القرآن ما يحتاج إليه المسلمون: بالقرآن الكريم، ثم بالسّنة، وببيان أسباب النزول، وبيان العرب، وفهم الصحابة، وإذا احتاج الأمر فسّروه بما يوفقهم الله إليه من اجتهاد وفهم.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21] قال سعيد بن جبير التابعي رحمه الله تعالى: أي ألحق الله تعالى الذرية بآبائهم في الدرجات، مع استحقاقهم دون درجات الآباء في الجنة، تكريما للآباء وفضلا منه سبحانه.
وبيان أقوال التابعين وفهومهم للقرآن الكريم هو رابع طرق تفسير القرآن الكريم، ونماذجه كثيرة في تفسير كتاب الله تعالى.
5- ثم جاء بعدهم من جاء من العلماء، وقد ازدادت حاجة المسلمين إلى معرفة أحكام القرآن الكريم وحكمه، ومراميه وأغراضه، وتراكيبه، فقاموا يفسّرون كتاب الله تعالى من خلال القرآن والسّنة، وأقوال الصحابة والتابعين، ومن خلال اللغة ومعانيها، ومن خلال الرأي والنظر، بل ومن خلال بعض الإسرائيليات والنصرانيات أحيانا.
والتفسير في كل ذلك علم يلقى على الناس شفاها، ويتلقاه الناس آذانا، وتبلغه إلى من سواه، حتى جاء دور التدوين، ودوّنت فيه العلوم، فدوّن علم تفسير كتاب الله تعالى على المذاهب والطرق التي سيأتي بيانها عند بحث مذاهب التفسير إن شاء الله تعالى.
تلك هي نشأة علم التفسير وتطوره حتى جاء دور التدوين، والله أعلم.